في ظلّ استقطاب شديد في الآراء حول الحرب بين إسرائيل وحماس، كشفت عدّة منظمات غير حكومية لوكالة فرانس برس عن مخاوف من قمع الأصوات المؤيّدة للقضية الفلسطينية في أوروبا، إثر إلغاء فعاليات وملاحقات في حقّ مفكّرين ونشطاء.
وقالت جوليا هال الباحثة في منظمة العفو الدولية إن القوانين حول خطاب الكراهية ومكافحة الإرهاب تُستغلّ لمهاجمة الأصوات المؤيّدة للفلسطينيين. وأشارت إلى أن أوروبا شهدت سيلا من الإلغاءات وعمليات استهداف متظاهرين سلميين وأكاديميين وكلّ شخص هو في الأساس متضامن مع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين أو ينتقد دولة إسرائيل.
وقد أدّى الهجوم غير المسبوق لحركة المقاومة الإسلامية حماس على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023 والحرب الساحقة التي شنّتها الدولة العبرية في إثره على قطاع غزة إلى تصاعد النقاش حول النزاع في الشرق الأوسط وتأجيج التباينات بين معسكرين لا تتوافق روآهما.
وخلال هجوم حماس قُتل 1170 شخصا، معظمهم مدنيّون، يستند إلى بيانات رسميّة إسرائيلية. كما خُطف أكثر من 250 شخصا ما زال 129 منهم محتجزين في قطاع غزة، بينهم 34 توفّوا على الأرجح، وفق مسؤولين إسرائيليين.
وفي هذه الأجواء المحمومة، غالبا ما تُتّهم الأصوات المؤيّدة للفلسطينيين بالتساهل مع حماس وبمعاداة الصهيونية بشدّة أو حتّى بمعاداة السامية. وساهمت زلّات لوحظت خلال تظاهرات مؤيّدة للفلسطينيين والالتباس الذي لطالما خيّم على موقف اليسار الراديكالي الذي وصف هجمات حماس بفعل "مقاومة" في تغذية هذه الاتّهامات.
والنقاش حاضر بقوّة في الولايات المتحدة حيث أوقف مئات الطلاب في الأحرام الجامعية التي اعتصموا فيها للاحتجاج على الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل والكارثة الإنسانية في غزة، وذلك في خضمّ السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض.
وفي الاتّحاد الأوروبي، اتّخذت 12 دولة على الأقلّ تدابير غير متكافئة، بما في ذلك حظر تظاهرات على أساس خطر ظاهر على الأمن العام، وفق ما جاء في تقرير للمنتدى المدني الأوروبي (ECF) ومقرّه بروكسل. ويعزى هذا القمع للتضامن مع الفلسطينيين إلى الدعم الكبير الذي توفّره أوروبا لإسرائيل والمرتبط بالمحرقة اليهودية، بحسب أرتي نارسي من المنتدى المدني الأوروبي.
وفي فرنسا التي تضمّ أكبر جالية لليهود وللمسلمين على السواء على صعيد أوروبا والتي تخشى ارتدادات الحرب عليها، كثّفت السلطات من تدابيرها، مع حظر تظاهرات مؤيّدة للفلسطينيين وإلغاء مؤتمرات وتوجيه الشرطة مذكّرة استدعاء في حقّ شخصيتين سياسيتين من اليسار الراديكالي على خلفية تحميد الإرهاب. وفي ألمانيا، حُظر قدوم وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس في منتصف أبريل بغية منع أيّ دعاية معادية للسامية ولإسرائيل، بحسب السلطات الألمانية. وأوقفت الشرطة فعاليات المؤتمر الفلسطيني الذي كان من المفترض أن يشارك فيه، بعد ساعة على انطلاقها.
والوزير اليوناني كما الكاتبة الفرنسية آني إرنو الحائزة جائزة نوبل هما في مرمى الرئيس المحافظ للبرلمان النمسوي فولفغانغ زوبوتكا الذي يطالب بسحب الدعوة الموجّهة لهما إلى المهرجان الفني أسابيع فيينا الاحتفالية. ويرفض المدير الفني للمهرجان ميلو راو الإذعان لهذا الطلب، معتبرا أن نعت الكاتبة بمعادية للسامية هو عبثي بالدرجة عينها مثل اعتبارها معادية لفرنسا لأنها تنتقد حكومة بلدها.
وازدادت أعمال معاداة السامية 5 مرّات في النمسا بعد السابع من أكتوبر. وارتفعت أيضا بشدّة في فرنسا بحسب السلطات. لكنّ التذرّع بالتصدّي لمعاداة السامية لكمّ الأصوات المنتقدة للحكومة الإسرائيلية يفقد كلّ معناه لا سيّما أن بعض المنتقدين هم من اليهود، بحسب جوليا هال من منظمة العفو الدولية.
وفي أكتوبر، أوقفت إيريس هيفيتس المتخصصة في العلاج النفسي في برلين لحملها لافتة كتب عليها بصفتي يهودية وإسرائيلية، أطلب منكم وقف الإبادة الجماعية في غزة. وأكّدت جمعية يوديشي شتيمي اليهودية التي تندّد بما تصفه بالتعاون الألماني مع النظام السياسي للفصل العنصري لدولة إسرائيل في الضفّة الغربية أن حساباتها قد جمّدت. وفي وقت كانت ألمانيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لتدفع عنها اتهامات نيكاراغوا لها بتسهيل الإبادة الجماعية في غزة، انتقدت صحيفة تاتس (اليسار) الرقابة والعنف إزاء المؤتمر الذي تمّ وقفه في برلين. وذكّرت الصحيفة بأن ألمانيا أعلنت أن تضامنها غير المقيّد مع إسرائيل هو من مقتضيات مصالح الدولة العليا.
وبين أكتوبر 2022 أكتوبر 2023، أحصى المركز الأوروبي للدعم القانوني (ELSC) في هولندا 310 أعمال قمعية في حقّ تظاهرات أو شخصيات مؤيّدة للفلسطينيين، راوحت بين إجراءات قضائية ومضايقات وإلغاء فعاليات. ومنذ السابع من أكتوبر وحتّى مارس ارتفع المجموع بأكثر من الضعف إلى 836 عملا. وهذا ليس سوى الجزء الظاهر من المشكلة، على قول ليلى كاترمان من المركز.
وفي فرنسا، اعتمدت السلطات "نظاما إداريا قضائيا يستهدف الأشخاص الذين يعربون عن الدعم للفلسطينيين، في حين أنه لا يطال هؤلاء الداعمين لإسرائيل، بحسب المحامي أرييه حليمي العضو في رابطة حقوق الإنسان. وهو وضع مؤسف في نظر المحامي الذي ألّف كتاب يهودي، فرنسي، من اليسار. في الفوضى، إذ إن النضال ضدّ العنصرية ومن أجل القضايا الإنسانية ينبغي أن يبقى دوما غير قابل للتجزئة.