7 أكتوبر ضُربت العقيدة العسكرية الإسرائيلية

مقالات 09:30 05.04.2024

لا يعرف أحد على وجه اليقين حسابات حركة حماس التى دفعت بها إلى قيامها بهجمات 7 أكتوبر والتى نتج عنها مقتل ما يقرب من 1200 إسرائيلى وإسرائيلية، وأخذ ما يزيد على 250 آخرين كأسرى ورهائن، لكن المؤكد أن إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر لن تصبح إسرائيل كما كانت قبل 7 أكتوبر، حيث أفشلت هذه الهجمات الحمساوية أسسا تبنتها إسرائيل، وقامت عليها العقيدة العسكرية الإسرائيلية، على الأقل منذ انتصارها الكاسح على جيوش عدة دول عربية فى حرب 1967.

      بداية، منحت نتائج حرب 67 إسرائيل شعورا بالأمن لم تعرفه منذ تأسيسها عام 1948، ومنحت الأراضى الفلسطينية والسورية والمصرية والأردنية التى احتلتها القوات الإسرائيلية مناطق عازلة، تبعد حدودها وخطوط التقسيم التى حددتها الأمم المتحدة عن المخاطر المباشرة من تهديدات الجيوش المجاورة. ومن ثم، أصبحت إسرائيل تتغنى بأن أراضيها مؤمنة، وأنها تستطيع توفير أمن لليهود لم يعرفوه فى أى من المجتمعات والدول التى عاشوا فيها على مدى القرون السابقة.

      لكن لم تنزعج إسرائيل بشدة أمام هزيمتها الكبيرة فى الأيام الأولى لحرب أكتوبر 1973 على يد الجيشين المصرى والسورى، وذلك لأنها خسرت أراضى محتلة غير إسرائيلية. ومنحت تطورات ــ ما بعد حرب أكتوبر ــ إسرائيل المزيد من الشعور بالأمن خاصة بعد توقيعها معاهدتى سلام مع مصر والأردن، وانهيار الدولة وضعف الجيش فى كل من سوريا ولبنان.

      خلال السنوات الأخيرة، تبلورت عقيدة إسرائيل العسكرية لتشكل ثلاثة محاور أساسية اعتبرتها كافية لضمان تفوقها الكاسح على جيرانها العرب، وبما لا يشكل أى تهديد مستقبلى لها ولحدودها ولسيطرتها على ما تحتله من أراض.

      المحور الأول يقوم على الردع بمفهومه الكامل والذى يفشل أى تفكير عربى فى إمكانية التفكير فى شن هجمات عسكرية على إسرائيل، ناهينا عن هزيمتها أو إلحاق خسائر ضخمة بها. وتصورت إسرائيل أن تسليحها بأحدث ما تمتلكه الترسانة الأمريكية والأوروبية، إضافة إلى رادعها النووى، كفيل بتحقيق هذا الهدف.

      المحور الثانى يتمثل فى تمتعها بآليات متقدمة وحديثة للإنذار المبكر بحيث تعلم فى وقت مبكر بنية أو استعداد، أو حتى تفكير، أحد أعدائها للتحرك عسكريا ضدها. وفى هذا الإطار تباهت تل أبيب باستخدامها أحدث التكنولوجيات المتاحة للتجسس ولتأمين شبكاتها المتطورة والمنتشرة حولها للإنذار المبكر. كذلك تشير تقارير لتمتع إسرائيل بشبكة ضخمة من الجواسيس والعملاء داخل أراضى خصومها، يمدونها بكل المعلومات الممكنة سواء كان ذلك فى رام الله أو قطاع غزة أو دمشق وبيروت وطهران.

      المحور الثالث تمثل فى تبنى مفهوم الحرب الخاطفة. ويعنى ذلك، إسرائيليا، أنه إذا كان لا بد من الحرب وخوض القتال، فليكن ذلك بصورة خاطفة وسريعة وحاسمة، لا يتأثر معها الاقتصاد الإسرائيلى المتطور، ولا يتأثر بها نظام ضباط وجنود الاحتياط من المدنيين، ولا يسمح بتشويه صورة إسرائيل عند الرأى العام العالمى إذا استمر القتال لأسابيع أو أشهر طويلة.

      أفشلت عملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر كل محاور العقيدة العسكرية الإسرائيلية الثلاثة. إذ فشلت إسرائيل فى ردع حركة حماس عن التفكير فى شن عملية ضخمة بهذه الصورة نتج عنها أكبر خسارة عددية لليهود فى أى من المعارك التى خاضتها فى يوم واحد منذ نشأة الدولة الإسرائيلية، ولا يتفوق عليها فى التاريخ إلا ممارسات الهولوكوست إبان الحرب العالمية الثانية. كما فشلت إسرائيل فى تفعيل نظمها للإنذار المبكر، ونجحت حركة حماس فى القيام بهجماتها بهذا الشكل رغم أجهزة إسرائيل المتقدمة تكنولوجيا أو جواسيس إسرائيل على الأرض داخل قطاع غزة. وأخيرا، نجحت حركة حماس وأهل قطاع غزة فى إطالة أمد العدوان الإسرائيلى حتى الآن لنصف العام، ولم تستطع إسرائيل حسم عدوانها عسكريا بصورة خاطفة سريعة كما كانت تأمل فى حروبها المستقبلية. ولعل من أهم ما أفشلته هجمات 7 أكتوبر الادعاء الإسرائيلى أن دولة الوطن القومى لليهود توفر أمنا استثنائيا ليهود العالم لم يعرفوه من قبل.

      نجحت هجمات 7 أكتوبر فى هز ثوابت العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما دفع العديد من المحللين الأمريكيين والإسرائيليين للإقرار بهزيمة إسرائيل بالفعل على الرغم من اقتراب سيطرتها العسكرية شبه الكاملة على قطاع غزة، وعلى الرغم من سقوط أكثر من 33 ألف شهيد وشهيدة وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، وتشرد ونزوح مليونين من سكانها، وتدمير كل مظاهر الحياة بها.

      شخصيا، أعتبر أن ما قامت به حركة حماس ما هو إلا تفجير نفسها فى قوة الاحتلال، آخذة فى حسبانها تدمير ثوابت العقيدة العسكرية الإسرائيلية بأى ثمن حتى وإن كان القضاء عليها كمنظمة مقاومة مسلحة. ما نشهده الآن من ارتفاع شعبية حركة حماس بين صفوف الشعب الفلسطينى، وبين جموع الشعوب العربية الإسلامية، قد لا يوفر حلولا سريعة لمعاناة أهل قطاع غزة، ولن يعوضهم عن خسائرهم الضخمة المباشرة وغير المباشرة، إلا أن ما قامت به حماس قد ألحق هزيمة بالفعل للمجتمع الإسرائيلى الذى تسيد فيه أنصار التيارات اليمينية المتطرفة منظومة الحكم، وهو ما تسبب فى خلافات داخلية وانقسامات لم تعرفها إسرائيل من قبل، بما لذلك من تبعات اقتصادية وسكانية وعسكرية سلبية.

      ما تقوم به إسرائيل منذ 8 أكتوبر ما هو إلا محاولة لن يكتب لها النجاح لإعادة المصداقية لثوابت العقيدة القتالية الإسرائيلية. تسعى الحكومة الإسرائيلية لطمأنة الشعب الإسرائيلى بأنهم فى مأمن داخل دولة إسرائيل. كما تسعى لدفع الشعوب والجيوش العربية إلى إعادة الاعتقاد بأن إسرائيل هى القوة التى لا تقهر، وأنه لا يوجد خيار عسكرى ضدها، بعدما أثبتت 7 أكتوبر أنها قد لا تكون قوية كما كنا نعتقد.

      تحاول إسرائيل اليوم، وبكل قوة، استعادة قدرتها على الردع كى يستمر العالم العربى فى الخوف منها حتى لو كان ذلك عن طريق اقترافها إبادة جماعية ستكلفها الكثير اليوم وغدا.

محمد المنشاوي

كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن

للتواصل مع الكاتب: [email protected]

 

 

خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...

أحدث الأخبار

وفاة إبراهيم رئيسي: مجرد حادث أم مؤامرة؟ - تحليلات
17:37 20.05.2024
خبير سياسي : السلطات الإيرانية تتحمل مسؤولية وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي
15:19 20.05.2024
من هو محمد مخبر رئيس إيران المؤقت؟
15:00 20.05.2024
إيران تعلن موعد جنازة الرئيس الإيراني
14:33 20.05.2024
ما هي التغييرات السياسية المنتظرة علي سياسة الخارجية لطهران؟
14:15 20.05.2024
ماذا ينتظر إيران بعد رئيسي؟
12:12 20.05.2024
السفير التركي بالقاهرة يدعو إلي تنشيط العلاقات الرياضية بين تركيا ومصر
11:30 20.05.2024
أذربيجان تعزي إيران في وفاة الرئيس الإيراني
11:04 20.05.2024
محمد مخبر الرئيس الإيراني بعد وفاة رئيسي
11:00 20.05.2024
تأجيل زيارة ولي العهد السعودي إلى اليابان بسبب حالة الملك سلمان الصحية
10:45 20.05.2024
مانشستر سيتي يتوج بلقب البريمرليغ للعام الرابع على التوالي
10:30 20.05.2024
بعد مقتل رئيسي... انعقاد جلسة طارئة للحكومة الإيرانية
09:54 20.05.2024
الزمالك يهزم نهضة بركان بهدف ويتوج بطلاً للكونفدرالية
09:30 20.05.2024
كيف يتعامل الدستور الإيراني مع حالة غياب رئيس الجمهورية؟
09:15 20.05.2024
وفاة الرئيس الإيراني بحادث تحطم مروحية
09:00 20.05.2024
لافروف يكشف تفاصيل المفاوضات بين بوتين وشي جين بينج
19:00 19.05.2024
حمدوك وعبد الواحد نور يوقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب في السودان
18:00 19.05.2024
حالة رئيس الوزراء السلوفاكي تقترب من التوقعات الإيجابية
17:30 19.05.2024
تواصل أعمال الشغب في كاليدونيا الجديدة
17:00 19.05.2024
انسحاب البعثة العسكرية الأوروبية من مالي
16:00 19.05.2024
النمسا ستستأنف تمويل الأونروا
15:00 19.05.2024
الحزب الشيوعي الفيتنامي يختار تاو لام ليصبح رئيسا جديدا للبلاد
14:00 19.05.2024
الأونروا عدم فتح المعابر ينذر باستمرار الظروف الكارثية في غزة
13:00 19.05.2024
مئات الآلاف أجبروا على الفرار من رفح
12:00 19.05.2024
عشرات القتلى في فيضانات جديدة ضربت أفغانستان
11:00 19.05.2024
4.4 مليار دولار فائض الميزان التجاري لسلطنة عمان بنهاية فبراير
10:00 19.05.2024
إسطنبول تستضيف قمة تركية عربية اقتصادية في يونيو
09:00 19.05.2024
كتائب القسام تعلن قتلها 15 جندياً إسرائيلياً شرق رفح
15:00 18.05.2024
جنوب إفريقيا نرفض الاتهامات الإسرائيلية للمؤسسات الأممية
14:00 18.05.2024
أرمينيا تؤكد التزامها بالسلام الدائم والمستقر في القوقاز
13:00 18.05.2024
تشاد تحديات عديدة أمام ديبي بعد انتخابه رئيسا للبلاد
12:00 18.05.2024
بوتين يسعى إلى تعاون أكبر في مجال الطاقة مع الصين
11:00 18.05.2024
المركزي التركي يتوقع تراجع التضخم وسعر الصرف
10:00 18.05.2024
أردوغان يصدر عفواً صحياً عن جنرالات انقلاب 28 فبراير
09:00 18.05.2024
نضال سليم : سبب مشكلة الجفاف العالمية هي زيادة الطلب علي المياه
17:33 17.05.2024
ماذا يحدث في جنوب القوقاز؟
17:00 17.05.2024
خبير سياسي : الاتحاد الأوروبي يسعي إلي السيطرة علي المنطقة
16:00 17.05.2024
خبير سياسي : "الغرب يستخدم أرمينيا ضد روسيا"
13:00 17.05.2024
رئيس الوزراء السنغالي ينتقد تواجد القواعد العسكرية في بلاده
12:00 17.05.2024
كاليدونيا الجديدة... طوارئ ومطالب بالاستقلال عن فرنسا
11:46 17.05.2024
جميع الأخبار